الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ أبي الفداء **
وهي هجرة المسلمين إِلى أرض الحبشة ولما اشتد إِيذاء قريش لأصحاب رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أذن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم لمن ليس له عشيرة تحميه في الهجرة إِلى أرض الحبشة فأول من خرج اثنا عشر رجلاً وأربع نسوة منهم عثمان بن عفان ومعه زوجة رقيه بنت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم والزبير بن العوام وعثمان بن مظعون وعبد الله بن مسعود وعبد الرحمن بن عوف وركبوا البحر وتوجهوا إِلى النجاشي وأقاموا عنده ثم خرج جعفر بن أبي طالب مهاجراً وتتابع المسلمون أولاً فأولاً فكان جميع من هاجر من المسلمين إِلى أرض الحبشة ثلاثة وثمانين رجلاً وثماني عشرة نسوة سوى الصغار ومن ولد بها فأرسلت قريش في طلبهم عبد الله بن أبي ربيعة وعمرو بن العاص وأرسلوا معهما هدية من الأدم إِلى النجاشي فوصلا وطلبا من النجاشي المهاجرين فلم يجبهما النجاشي. وقال عمرو بن العاص: سلهم عما يقولون في عيسى فسألهم النجاشي فقالوا ما قاله الله تعالى من أنه كلمة الله ألقاها إِلى مريم العذراء فلم ينكر النجاشي ذلك. فأقام المهاجرون في جوار النجاشي آمنين ورجع عمرو بن العاص وعبد الله بن ولما رأت قريش ذلك وأن الإسلام قد جعل يفشو في القبائل تعاهدوا على بني هاشم وبني المطلب أن لا يناكحوهم ولا يبايعوهم وكتبوا بذلك صحيفة وتركوها في جوف الكعبة توكيداً على أنفسهم وانحازت بنو هاشم كافرهم ومسلمهم إلى أبي طالب ودخلوا معه في شعبه وخرج من بني هاشم أبو لهب عبد العزى بن عبد المطلب إِلى قريش مظاهراً لهم وكانت امرأته أم جميل بنت حرب وهي أخت أبي سفيان على رأيه في عداوة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي التي سماها الله تعالى: حمالة الحطب لأنها كانت تحمل الشوك فتضعه في طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم وأقامت بنو هاشم في الشعب ومعهم رسول الله صلى الله عليه وسلم نحو ثلاث سنين وبلغ المهاجرين الذين في الحبشة أن أهل مكة أسلموا فقدم منهم ثلاثة وثلاثون رجلا ولما قربوا من مكة لم يجدوا ذلك صحيحاً فلم يدخل أحد منهم مكة إلا متخفياً وكان من الذين قدموا عثمان بن عفان والزبير بن العوام وعثمان بن مظعون. روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأبي طالب: (يا عم إِن ربي سلط الأرضة على صحيفة قريش فلم تدع فيها غير أسماء الله ونفت منها الظلم والقطيعة ). فخرج أبو طالب إِلى قريش وأعلمهم بذلك وقال: إِن كان ذلك صحيحاً فانتهوا عن قطيعتنا وإن كان كذباً دفعت إِليكم ابن أخي فرضوا بذلك ثم نظروا فإذا الأمر كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فزادهم ذلك شراً فاتفق جماعة من قريش ونقضوا ما تعاهدوا عليه في الصحيفة من قطيعة بني المطلب. ذكر صاحب السيرة أن الإسراء كان قبل موت أبي طالب وذكر ابن الجوزي أنه كان بعد موت أبي طالب في سنة اثنتي عشرة للنبوة واختلف فيه فقيل: كان ليلة السبت لسبع عشرة ليلة خلت من رمضان في السنة الثالثة عشرة للنبوة وقيل كان في ربيع الأول وقيل: كان في رجب وقد اختلف أهل العلم فيه هل كان بجسده أم كان رؤيا صادقة فالذي عليه الجمهور أنه كان بجسده وذهب آخرون إلى أنه كان رؤيا صادقة ورووا عن عائشة رضي الله عنها أنفاً كانت تقول: ما فقد جسد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكن الله أسرى بروحه ونقلوا عن معاوية أيضاً أنه كان يقول: إِنّ الإسراء كان رؤيا صادقة ومنهم من جعل الإسراء إِلى بيت المقدس جسدانياً ومنه إِلى السموات السبع وسدرة المنتهى روحانياً. توفي في شوال سنة عشر من النبوة ولما اشتد مرضه قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم (يا عم قلها استحل لك بها الشفاعة يوم القيامة) يعني الشهادة. فقال له أبو طالب يا ابن أخي لولا مخافة السبة وأن تظن قريش إِنما قلتها جزعاً من الموت لقلتها فلما تقارب من أبي طالب الموت جعل يحرك شفتيه فأصغى إِليه العباس بأذنه وقال: واللّه يا ابن أخي لقد قال الكلمة التي أمرته أن يقولها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (الحمد لله الذي هداك يا عم ). هكذا روي عن ابن عباس والمشهور أنه مات كافراً ومن شعر أبي طالب مما يدل على أنه كان مصدقاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم قوله: ودعوتني وعلمتْ أنك صادق ولقد صدقت وكنت ثم أمينا ولقد علمت بأن دين محمد من خير أديان البرية دينا والله لن يصلوا إِليك بجمعهم حتى أوسد في التراب دفينا وكان عمر أبي طالب بضعاً وثمانين سنة. ثم توفيت خديجة بعد أبي طالب وكان موتهما قبل الهجرة بنحو ثلاث سنين. وتتابعت على رسول الله صلى الله عليه وسلم بموتهما المصائب ونالت منه قريش خصوصاً أبو لهب بن عبد المطلب والحكم بن العاص وعقبة بن أبي معيط بن أبي عمرو بن أمية فإِنهم كانوا جيران النبي صلى الله عليه وسلم ويؤذونه بما يلقون عليه وقت صلاته وفي طعامه من القاذورات. ولما نالت قريش من رسول الله بعد وفاة عمه سافر إلى الطائف يتلمس من ثقيف النصرة ورجاء أن يقبلوا ما جاء به من الله فوصل إِلى الطائف وعمد إلى جماعة من أشراف ثقيف مثل مسعود وحبيب ابني عمرو فجلس إِليهم ودعاهم إِلى الله وقال له واحد منهم: أما وجد الله أحداً يرسله غيرك وقال الآخر: والله لا أكلمك أبداً لأنك إِن كنت رسولاً من الله كما تقول لأنت أعظم خطراً من أن أرد عليك الكلام ولئن كنت تكذب على الله فما ينبغي لي أن أكلمك فقام رسول الله من عندهم وقد يئس من خير ثقيف وأغروا به سفهاءهم وعبيدهم يسبونه ويصيحون به حتى اجتمع عليه الناس وألجئوه إِلى حائط ورجع عنه سفهاء ثقيف فقال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اللهم إِليك أشكو ضعف قوتي وقلة حيلتي وهواني على الناس يا أرحم الراحمين أنت رب المستضعفين وأنت ربي على من تكلني إِن لم تكن علي غضباناً فلا أبالي) ثم قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم إِلى مكة وقومه أشد مما كانوا عليه من خلافه. كان رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يعرض نفسه على القبائل في مواسم الحج ويدعوهم إِلى الله فيقول: (يا بني فلان إِني رسول الله إِليكم يأمركم أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً وأن تخلعوا ما يعبد من دونه وأن تؤمنوا بي وتصدقوني ). وعمه أبو لهب ينادي إِنما يدعوكم إِلى أن تسلخوا اللات والعزى من أعناقكم إلى ما جاء به من البدعة والضلالة فلا تطيعوه وكان أبو لهب أحول له غديرتان. ولما أراد الله تعالى إِظهار أمر دينه وإعزاز نبيه خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في موسم يعرض نفسه على القبائل كما كان يصنع فبينما هو عند العقبة إِذ لقي نفراً من الخزرج من أهل مدينة يثرب وأهلها قبيلتان الأوس والخزرج يجمعهم أب واحد وهم يمانيون وبين القبيلتين حروب وهم حلف قبيلتين من اليهود يقال لهما قريظة والنضير من نسل هارون بن عمران فعرض رسول الله صلى الله عليه وسلم الإسلام عليهم وتلى عليهم القرآن وكانوا ستة رجال فآمنوا به وصدقوه ثم انصرفوا إِلى يثرب وذكروا ذلك لقومهم ودعوهم إِلى الإسلام حتى فشا فيهم فلم تبق دار إلا وفيها ذكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم. ولما كان العام المقبل وافى الموسم اثنا عشر رجلاً من الأنصار فبايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بيعة النساء وذلك قبل أن يفرض عليهم الحرب وبيعة النساء هي المبايعة على أن لا يشركوا بالله شيئاً ولا يسرقوا ولا يزنوا ولا يقتلوا أولادهم فبعث معهم رسول الله صلى الله عليه وسلم مصعب بن عمير بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار ليعلمهم شرائع الإسلام والقرآن. ولما قدم مصعب المدينة دخل به أسعد بن زرارة وهو أحد الستة الذين بايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم في العقبة حائطاً من حوائطم بني ظفر وكان سعد ابن معاذ سيد الأوس ابن خالة أسعد بن زرارة وكان أسيد بن حصين أيضاً سيداً فأخذ أسيد بن حصين حربته ووقف على مصعب وأسعد وقال: ما جاء بكما تسفهان ضعفاءنا اعتزلا إِنْ كان لكما بأنفسكما حاجة فقال له مصعب: أو تجلس فتسمع فجلس أسيد وأسمعه مصعب القرآن وعرّفه الإسلام فقال سيد: ما أحسن هذا كيف تصنعون إِذا أردتم الدخول في هذا الدين فعلمه مصعب فأسلم وقال: ورائي رجل إِن اتبعكما لم يتخلف عنه أحد وسأرسله إِليكما يعني سعد بن معاذ ثم أخذ أسيد حربته وانصرف إِلى سعد بن معاذ وبعث به إِلى مصعب وأسعد فلما أقبل قال أسعد لمصعب: جاءك والله سيد من ورائه فلما وقف عليهما سعد بن معاذ تهدد أسعد وقال: لولا قرابتك مني ما صبرت على أن تغشانا في دارنا بما نكره فقال له مصعب: أو ما تسمع فإِن رضيت أمراً قبلته وإلا عزلنا عنك ما تكره فقال: أنصفت. فعرض مصعب عليه الإسلام وقرأ عليه القرآنَ. قال فعرفنا والله في وجهه الإسلام قبل أن يتكلم. ثم قال: كيف تصنعون إِذا أنتم أسلمتم فعرفاه ذلك فأسلم وانصرف إِلى النادي حتى وقف عليه ومعه أسيد بن حصين فلما رآه قومه مقبلاً قالوا نحلف بالله لقد رجع سعد بغير الوجه الذي ذهب به فقال: يا بني عبد الأشهل كيف تعلمون أمري فيكم قالوا سيدنا وأفضلنا. قال: فإِن كلام رجالكم ونسائكم علي حرام حتى تؤمنوا بالله ورسوله فما أمسى في دار بني عبد الأشهل أحد حتى أسلم ونزل سعد بن معاذ ومصعب في دار أسعد بن زرارة يدعون الناس إِلى الإسلام حتى لم يبق دار من دور الأنصار إِلا وبّها مسلمون إِلا ما كان من دار بني أمية بن زيد. وكانت في سنة ثلاث عشرة من المبعث وذلك أن مصعب بن عمير عاد إِلى مكة ومعه من الذين أسلموا ثلاثة وسبعون رجلاً وامرأتان بعضهم من الأوس وبعضهم من الخزرج مع كفار من قومهم وهم مستخفون من الكفار فلما وصلوا إِلى مكة وأعدوا رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أن يجتمعوا به ليلاً في أوسط أيام التشريق بالعقبة وجاءهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه عمه العباس وهو مشرك إِلا أنه أحب أن يتوثق منهم لابن أخيه فقال العباس: يا معشر الخزرج إِن محمداً منا حيث علمتم وقد منعناه من قومنا وهو في عز ومنعة في بلده وإنه قد أبى إِلا الانحياز إِليكم واللحوق بكم فإن كنتم تقفون عند ما دعوتموه إِليه وتمنعونه ممن خالفه فأنتم وما تحملتم من ذلك. وإن كنتم ترون أنكم مسلموه وخاذلوه فمن الآن فدعوه. فقالوا: قد سمعنا العباس فتكلم يا رسول الله فخذ لنفسك ولربك ما أحببت. فتكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم وتلا القرآن ثم قال: (أبايعكم على أن تمنعوني مما تمنعون منه نساءكم وأولادكم ). ودار الكلام بينهم واستوثق كل فريق من الآخر ثم سألوا رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فقالوا: إِن قتلنا دونك ما لنا قال: الجنة. قالوا: فابسط يدك فبسط يده وبايعوه ثم انصرفوا راجعين إِلى المدينة وأمر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه بالهجرة إِلى المدينة فخرجوا أرسالاً وأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة ينتظر أن يأذن له ربه في الخروج من مكة وبقي النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر الصديق وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهما. وهي ابتداء التاريخ الإسلامي أما لفظة التاريخ فإِنه محدث في لغة العرب لأنه معرب من ماه روز وبذلك جاءت الرواية روى ابن سليمان عن ميمون بن مهران أنه رفع إِلى عمر بن الخطاب في خلافته رضي الله تعالى عنه صك محله شعبان فقال: أي شعبان أهذا هو الذي نحن فيه أو الذي هو آت ثم جمع وجوه الصحابة وقال: إن الأموال قد كثرت وما قسمنا منها غير موقت فكيف التوصل إِلى ما نضبط به ذلك فقالوا: نحب أن نتعرف ذلك من رسوم الفرس فعندها استحضر عمر الهرمزان سأله عن ذلك فقال: إِن لنا به حساباً نسميه ماه روز وَمعناه حساب الشهور والأيام فعربوا الكلمة فقالوا مؤرخ ثم جعلوا اسمه التاريخ واستعملوه ثم طلبوا وقتاً يجعلونه أولاً لتاريخ دولة الإسلام واتفقوا على أن يكون المبدأ سنة هذه الهجرة وكانت الهجرة من مكة إِلى المدينة شرفهما الله وقد تصوم من شهور هذه السنة وأيامها المحرم وصفر وثمانية أيام من ربيع الأول. فلما عزموا على تأسيس الهجرة رجعوا القهقري ثمانية وستين يوماً وجعلوا مبدأ التاريخ أول المحرم من هذه السنة ثم أحصوا من أول يوم في المحرم إِلى آخر يوم من عمر النبي صلى الله عليه وسلم فكان عشر سنين وشهرين وأما إِذا حسب عمره من الهجرة حقيقة فيكون قد عاش بعدها تسع سنين وأحد عشر شهراً واثنين وعشرين يوماً وقد وضعنا زايجة تتضمن ما بين الهجرة وبين التواريخ القديمة المشهورة من السنين وإذا أردت أن تعرف ما بين أي تاريخين شئت منها فانظر إلى ما بينهما وبين الهجرة وأنقص أقلهما من أكثرهما فمهما بقي يكون ذلك هو ما بينهما مثاله إِذا أردنا أن نعرف ما بين مولد المسيح ومولد رسول الله صلوات الله عليهما وسلامه نقصنا ما بين مولد رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين الهجرة وهو ثلاث وخمسون سنة وشهران وثمانية أيام من ستمائة وإحدى وثلاثين سنة يبقى خمسمائة وثمان وسبعون سنة تنقص شهرين وثمانية أيام هي جملة ما بين مولد رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين مولد المسيح ابن مريم صلوات الله وسلامه عليهما وكذلك أي تاريخين أردت من هذه الدائرة. التواريخ القديمة المشهورة من السنين بين الهجرة وبين آدم على مقتضى التوراة اليونانية واختيار المؤرخين ستة آلاف ومائتان وست عشرة سنة وعلى مقتضى التوراة اليونانية واختيار المنجمين حسبما أثبتوا في الزيجات خمسة آلاف وتسعمائة وسبع وستون سنة وعلى مقتضى التوراة العبرانية واختيار المؤرخين أربعة آلاف وسبعمائة وإحدى وأربعون سنة وأما على اختيار المنجمين ينقص عنه مائتان وتسع وأربعون سنة وعلى مقتضى التوراة السامرية واختيار المؤرخين خمسة آلاف ومائة وسبع وثلاثون سنة وأما على اختيار المنجمين فينقص ما ذكر كذلك جاء الأمر في جميع التواريخ إلى قبل بخت نصر. بين الهجرة وبين الطوفان على اختيار المؤرخين ثلاث آلاف وتسعمائة وأربع وسبعون سنة وكان الطوفان لستمائة سنة مضت من عمر نوح وعاش نوح بعده ثلاثمائة وخمسين سنة وعلى اختيار المنجمين ثلاثة آلاف وسبعمائة وخمس وعشرون سنة حسبما قرره أبو معشر وكوشيار وغيرهما في الزيجات والتقاويم بين الهجرة وبين تبلبل الألسن على اختيار المؤرخين ثلاثة آلاف وثلاثمائة وأربع سنين وأما على اختيار المنجمين فتنقص عنه مائتين وتسعاً وأربعين سنة حسبما تقدم ذكره. بين الهجرة وبين مولد إِبراهيم الخليل على اختيار المؤرخين ألفان وثمانمائة وثلاثة وتسعون سنة وأما على اختيار المنجمين فتنقص عته مائتين وتسعاً وأربعين سنة بين الهجرة وبين بناء الكعبة على يد إِبراهيم الخليل وولده إِسماعيل ألفان وسبعمائة ونحو ثلاث وتسعين سنة وكان ذلك بعد مضي مائة سنة من عمر إبراهيم وهو القريب والله أعلم. بين الهجرة وبين وفاة موسى عليه السلام على اختيار المؤرخين ألفان وثلاثمائة وثمان وأربعون سنة وأما على اختيار المنجمين فتنقص عنه مائتين وتسعاً وأربعين سنة بين الهجرة وبين عمارة بيت المقدس على اختيار المؤرخين ألف وثمانمائة وقريب سنتين وكان فراغه لمضي أحد عشر سنة من ملك سليمان ولمضي خمسمائة وست وأربعين سنة لوفاة موسى وأما على اختيار المنجمين فتنقص عنه مائتين وتسعاً وأربعين سنة. بين الهجرة وبين ابتداء ملك بختنصر ألف وثلاثمائة وتسع وستون سنة وليس فيه خلاف بين الهجرة وبين خراب بيت المقدس ألف وثلاثمائة وخمسون سنة وكان لمضي تسعهَ عشرة سنة لبختنصر واستمر خراباً سبعين سنة ثم عمر. بين الهجرة وبين غلبة الإِسكندر على دارا ملك الفرس تسعمائة وأربع وثلاثون سنة وكانت أيضاً ابتداء ملكه على الفرس. وبقي الإسكندر بعد غلبته على دارا نحو سبع سنين. بين الهجرة وبين فيلبس تسعمائة وسبع وعشرون سنة وهو أخو الإسكندر أصغر منه باثني عشر سنة وملك بعده على مقدونية ذكره ببطلميوس. بين الهجرة وبين غلبة أغسطس على قلوبطرا ملكة مصر ستمائة واثنان وخمسون سنة وكانت بسنة اثنتي عشرة من ملك أغسطس. بين الهجرة وبين مولد المسيح عليه السلام ستمائة وإحدى وثلاثون سنة وكان بسنة أربع بين الهجرة وبين خراب بيت المقدس الثاني خمسمائة وثمان وخمسون سنة وكان لمضي أربعين سنة من رفع المسيح عليه السلام وهو تاريخ لشتة اليهود إِلى الآن. بين الهجرة وبين أول ملك أدريانس خمسمائة وسبع سنين. بين الهجرة وبين قيام أزدشير بن بابك أربعمائة واثنان وعشرون سنة وهو أيضاً تاريخ انقراض ملوك الطوائف. بين الهجرة وبين أول ملك دوقلطيانس ثلاثمائة وتسع وثلاثون سنة وهو آخر عبدة الأصنام ملوك الروم. بين الهجرة وبين مولد رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة وخمسون سنة وشهرين وثمانية أيام. بين الهجرة وبين مبعث رسول الله ثلاث عشرة سنة وشهران وثمانية أيام. بين الهجرة وبين وفاة رسول الله تسع سنين وأحد عشر شهراً واثنان وعشرون يوماً وهي بعد الهجرة. وأما ما كان من حديث الهجرة فإِنه لما علمت قريش أنه قد صار لرسول الله صلى الله عليه وسلم أنصار وأن أصحابه بمكة قد لحقوا بهم خافوا من خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم إِلى المدينة فاجتمعوا واتفقوا على أن يأخذوا من كل قبيلة رجلاً ليضربوه بسيوفهم ضربة رجل واحد ليضيع دمه في القبائل وبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فأمر علياً أن ينام على فراشه وأن يتشح ببرده الأخضر وأن يتخلف عنه ليؤدي ما كان عند رسول الله صلى الله عليه وسلم من الودائع إِلى أربابها وكان الكفار قد اجتمعوا على باب النبي صلى الله عليه وسلم يرصدونه ليثبوا عليه فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم حفنة تراب وتلا أول (يس) وجعل ذلك التراب على رؤوس الكفار فلم يروه فأتاهم آت وقال: إِن محمداً خرج ووضع على رؤوسكم التراب وجعلوا ينظرون فيرون علياً عليه برد النبي صلى الله عليه وسلم فيقولون محمد نائم فلم يبرحوا كذلك حتى أصبحوا فقام علي فعرفوه. وأقام علي بمكة حتى أدّى ودائع النبي صلى الله عليه وسلم. وقصد النبي صلى الله عليه وسلم لما خرج من داره دار أبي بكر رضي الله عنه وأعلمه بأنّ الله قد أذن بالهجرة فقال أبو بكر: الصحبة يا رسول الله قال الصحبة: فبكى أبو بكر رضي الله عنه فرحاً واستأجرا عبد الله بن أرقط وكان مشركاً ليدلهما على الطريق ومضى النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر إِلى غار ثور وهو جبل أسفل مكة فأقاما فيه ثم خرجا من الغار بعد ثلاثة أيام وتوجها إِلى المدينة ومعهما عامر بن فهير مولى أبي بكر الصدّيق وعبد الله بن أرقط الدليل وهو كافر. وجدت قريش في طلبه فتبعه سراقة بن مالك المدلجي فلحق النبي صلى الله عليه وسلم فقال أبو بكر: يا رسول الله أدركنا الطلب. فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: لا تحزن إِن الله معنا ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم على سراقة فارتطمت فرسه إِلى بطنها في أرض صلبة. فقال سراقة: ادع الله يا محمد أن يخلصني ولك أنْ أرد الطلب عنك فدعا له النبي صلى الله عليه وسلم فخلص ثم تبعه فدعا عليه صلى الله عليه وسلم فترطم ثانياً وسأل الخلاص وأن يرد الطلب عن النبي صلى الله عليه وسلم فأجابه النبي صلى الله عليه وسلم ودعا له وقال: كيف بك يا سراقة إِذا سورت بسوار كسرى برويز فرجع سراقة ورد كل من لقيه عن الطلب. أن يقول كفيتم ما هاهنا. وقدم المدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم. لاثنتي عشرة ليلة خلت من ربيع الأول من سنة إِحدى وذلك يوم الاثنين الظهر فنزل قباءْ على كلثوم بن الهدم وأقام بقباء الاثنين والثلاثاء والأربعاء والخميس وأسس مسجد قباء وهو الذي نزل فيه: وتزوجها قبل الهجرة بعد وفاة خديجة ودخل بها بعد الهجرة بثمانية أشهر وهي ابنة تسع سنين وتوفي عنها وهي ابنة ثماني عشرة سنة. آخا رسول الله صلى الله عليه وسلم فاتخذ رسول الله علي بن أبي طالب أخاً وكان علي يقول على منبر الكوفةِ أيام خلافته: أنا عبد اللِّه وأخو رسول الله وصار أبو بكر وخارجة بن زيد بن أبي زهير الأنصاري أخوين وأبو عبيدة بن الجراح وسعد بن معاذ الأنصاري أخوين وعمر بن الخطاب وعتبان بن مالك الأنصاري أخوين وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن ربيع الأنصاري أخوين وعثمان بن عفان وأوس بن ثابت الأنصاري أخوين وطلحة بن عبيد الله وكعب بن مالك الأنصاري أخوين وسعيد ابن زيد وأبي بن كعب الأنصاري أخوين وأول مولود ولد للمهاجرين بعد الهجرة عبد الله بن الزبير وأول مولود ولد للأنصار النعمان بن بشير. ثم دخلت سنة اثنتين من الهجرة فيها حولت الصلاة إِلى الكعبة وكانت الصلاة بمكة وبعد مقدمه إِلى المدينة بثمانية عشر شهراً إِلى بيت المقدس وذلك يوم الثلاثاء منتصف شعبان فاستقبل الكعبة في صلاة الظهر وبلغَ أهل قباء ذلك فتحولوا إِلى جهة الكعبة وهم في الصلاة وفي هذه السنة أعني سنة اثنتين فرض صيام رمضان. وفي هذه السنة بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن جحش الأسدي في ثمانية أنفس إِلى نخلة بين مكة والطائف ليتعرفوا أخبار قريش فمر بهم عير لقريش فغنموها وأسروا اثنين وحضروا بذلك إِلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي أول غنيمة غنمها المسلمون من الأشراف للمسعودي وفي هذه السنة : وهي الغزوة التي أظهر الله بها الدين وكان من خبرها أنه لما قدم لقريش قفل من الشام مع أبي سفيان بن حرب ومعه ثلاثون رجلاً فندب رسول الله صلى الله عليه وسلم إِليهم وبلغ أبا سفيان ذلك فبعث إِلى مكة وأعلم قريشاً أن النبي صلى الله عليه وسلم يقصده فخرج الناس من مكة سراعاً ولم يتخلف من الأشراف غير أبي لهب وبعث مكانه العاص بن هشام وكانت عدتهم تسعمائة وخمسين رجلاً فيهم مائة فارس وخرج محمد عليه السلام من المدينة لثلاث خلون من رمضان سنة اثنتين للهجرة ومعه ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً منهم سبعة وسبعون من المهاجرين والباقون من الأنصار ولم يكن فيهم إِلا فارسان أحدهما المقداد بن عمرو الكندي بلا خلاف والثاني قيل هو الزبير بن العوام وقيل غيره وكانت الإِبل سبعين يتعاقبون عليها ونزل رسول الله صلى الله عليه وسلم الصفراء وجاءته الأخبار بأن العير قد قاربت بدراً وأن المشركين قد خرجوا ليمنعوا عنها ثم ارتحل رسول اللّه صلى الله عليه وسلم ونزل في بدر على أدنى ماء من القوم وأشار سعد بن معاذ ببناء عريش لرسول اللّه صلى الله عليه وسلم فعمل وجلس عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه أبو بكر وأقبلت قريش فلما رآهم رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال: اللهّم هذه قريش قد أقبلت بخيلائها وفخرها تكذّب رسولك اللهم فنصرك الذي وعدتني وتقاربوا وبرز من المشركين عتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة والوليد بن عتبة فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يبارز عبيدة بن الحارث بن المطلب عتبة وحمزة عم النبي صلى الله عليه وسلم شيبة وعلي بن أبي طالب الوليد بن عتبة فقتل حمزة شيبة وعلي الوليد وضرب كل واحد من عبيدة وعتبة صاحبه وكَّر علي وحمزة على عتبة فقتلاه واحتملا عبيدة وقد قطعت رجله ثم مات وتزاحفت القوم ورسول اللّه صلى الله عليه وسلم ومعه أبو بكر على العريش وهو يدعو ويقول: (اللهم إِن تهلك هذه العصابة لا تعبد في الأرض اللهم أنجز لي ما وعدتني) ولم يزل كذلك حتى سقط رداؤه فوضعها أبو بكر عليه وخفق رسول اللّه صلى الله عليه وسلم خفقة ثم انتبه فقال: أبشر يا أبا بكر فقد أتى نصر اللّه ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من العريش يحرض الناس على القتال وأخذ حفنة من الحصباء ورمى بها قريشاً وقال: شاهت الوجوه ثم قال لأصحابه: شدوا عليهم فكانت الهزيمة وكانت الوقعة صبيحة الجمعة لسبع عشرة ليلة خلت من رمضان وحَمَل عبد الله ابن مسعود رأس أبي جهل بن هشام إِلى النبي صلى الله عليه وسلم فسجد شكراً لله تعالى وقتل أبو جهل وله سبعون سنة واسم أبي جهل عمرو بن هشام بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم وكذلك قتل أخو أبي جهل وهو العاص بن هشام ونصر الله نبيه بالملائكة. قال الله تعالى: وكان من جملة الأسرى العباس عم النبي صلى الله عليه وسلم وابنا أخويه عقيل بن أبي طالب ونوفل بن الحارث بن عبد المطلب ولما انقضى القتال أمر النبي صلى الله عليه وسلم بسحب القتلى إِلى القليب وكانوا أربعة وعشرين رجلاً من صناديد قريش فقذفوا فيه وأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بعرصة بدر ثلاث ليال وجميع من استشهد من المسلمين أربعة عشر رجلاً ستة من المهاجرين وثمانية من الأنصار ولما وصل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الصفراء راجعاً من بدر أمر علياً فضرب عنق النضر بن الحارث وكان من شدة عداوته للنبي صلى الله عليه وسلم إِذا تلا النبي صلى الله عليه وسلم القرآن يقول لقريش: ما يأتيكم محمد إِلا بأساطير الأولين ثم أمر بضرب عنق عقبة بن أبي معيط بن أمية وكان عثمان بن عفان قد تخلف عن رسول صلى الله عليه وسلم في المدينة بأمره بسبب مرضِ زوجته رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وماتت رقية في غيبة رسول صلى الله عليه وسلم وكانت مدة غيبة رسول فَي تسعة عشر يوماً.
|